واشنطن العاصمة،أصدقائي، أود اليوم أن أبدأ حديثي إليكم حول الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي طبع تاريخ منطقتي الحديث كله تقريباً، لكنني لا أريد التحدث عن الفرص الضائعة، وإنما أود التركيز على ضرورة عدم إضاعة المزيد منها، وعلى الأسباب والكيفيات التي تستطيع بها الولايات المتحدة أن تتولى القيادة.فالولايات المتحدة لديها مصلحة إستراتيجية معلنة في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أنه من المعلوم أن القليل من الأزمات في التاريخ قد انطوت على مثل هذا الكمّ الهائل من المخاطر - بدءاً من غياب الاستقرار الإقليمي وما ينتجه من العنف إلى الانقسامات التي تسبب بها ذلك في كافة أنحاء العالم، وهي انقسامات أحسن المتطرفون استغلالها، لكن قليلاً من المواقف نجمت في المقابل، والتي كان يمكن فيها لسلام عادل أن يجلب منافع كثيرة، ليس للفرقاء المعنيين فحسب، وليس للمنطقة وحدها، وإنما للعالم أجمع.ومع ذلك، فإن الوقت يا أصدقائي لا يعمل لصالحنا، وكل يوم نخسره يجعل من أمر حل الأزمة أكثر صعوبة، وفي ذلك خطر يتهددنا جميعاً.أنني أعلم أن الرئيس أوباما وفريقه يدركون ذلك، وقد سبق وأن قدّم الرئيس إشارات مبكرة إلى أن السلام في الشرق الأوسط سيكون أولوية للولايات المتحدة، ونحن في الأردن نرحب بالتزامه وانخراطه، ولسنا وحدنا في ذلك. إذ أن كل دولة في الشرق الأوسط، بل وربما العالم كله، ينظرون إلى أميركا باعتبارها المفتاح لتحقيق السلام.وبتركيز الجهود بإصرار لا يلين، سوف تحدد الولايات المتحدة المسار. لقد شرعت الأحداث فعلاً باختبار مدى مصداقية أميركا، ومن ذلك تصاعد الأصوات الإسرائيلية الداعية إلى إعادة عقارب ساعة المفاوضات إلى الوراء، بهدف تقويض ما تأسس من أجندة السلام، ومنها أيضا أصوات متطرفة تعلو في العالم العربي مبشرة بالحرب. وعليه، فإنني آمل بأن توضّح الولايات المتحدة أنها لن تسمح بالعودة إلى الوراء، فعناصر التسوية معروفة، وأجندة المفاوضات متفق عليها، وثمة هدف واضح: دولتان تعيشان جنباً إلى جنب، تتمتع كل منهما بالسيادة والقابلية للحياة والأمن، وهذه التسوية هي مصلحة أميركية أساسية، بقدر ما هي مصلحة لكم أن يرى العالم بلادكم تقود الطريق.والأساس لذلك قائم في حقيقة الأمر، فقد وافق الفرقاء والمجتمع الدولي أجمع على حل الدولتين، وطوال سبع سنوات، وأمام كل الاستفزازات، صمدت مبادرة السلام العربية التاريخية، وهي مبادرة تحدد المعايير لإنجاز تسوية شاملة تنهي الاحتلال وتقيم الدولة الفلسطينية وتقدم ضمانات أمنية وعلاقات طبيعية لإسرائيل. وقد عبرت الدول الإسلامية في كل أنحاء العالم عن دعمها لهذه المبادرة أيضاً، وهو الأمر الذي يقدم لإسرائيل مكانا في جوارها، وأكثر، حيث إنه يعرض عليها أن تحظى بقبول ثلث أعضاء الأمم المتحدة، أي 57 دولة، والتي لا تعترف بإسرائيل حتى الآن.وبصوتها الواحد الذي يحظى بالإجماع، وبمنهجها الجاد، تشكل مبادرة السلام العربية أكثر الاقتراحات أهمية لإحلال السلام في تاريخ هذا الصراع. وقد حددنا نحن خيارنا المتمثل بتحقيقَ سلامٍ شاملٍ يفي بالحاجات المشروعة للجميع، ويجب على إسرائيل الآن أن تحدد خيارها: بين أن تندمج في المنطقة، وأن تَقبل بالآخرين ويقبلَها الآخرون، وأن تتمتعَ بعلاقات طبيعية مع جيرانها، أو أن تبقى قلعة إسرائيل المعزولة والمنكفئة على ذاتها، بينما تظل كل المنطقة رهينة لمواجهة لا تنتهي.إن أي جهد إسرائيلي يهدف إلى إحلال التنمية الفلسطينية محل الاستقلال الفلسطيني لا يمكن أن يجلب السلام والاستقرار إلى المنطقة. لا يمكن أن يمر الطريق إلى السلام سوى عبر حل الدولتين، وأي حل آخر لا يمكن أن يعرض العدالة التي يطالب بها الناس ويتوقعونها. ولا يمكن لأي حل آخر أن يعطي للناس سبباً لتحمل المخاطر التي يتطلبها السلام.وثمة حاجة أيضا إلى بذل جهد أميركي رفيع المستوى لإعادة إحياء المفاوضات الثنائية، وعندما يصل الفرقاء إلى مائدة التفاوض، يجب أن يستمر الدعم الأميركي أيضاً، وحيث ينسد الطريق عند مناقشة القضايا الصعبة، دعوا الولايات المتحدة تكسر الجمود باقتراح حلولها الخلاقة الخاصة. ويجب أن يكون محط التركيز، منذ البدء وحتى الخاتمة، هو إنجاز اتفاق سلام نهائي، اتفاقٍ يعكس الحل الوحيد القابل للحياة لهذا الصراع حلَّ الدولتين الذي سيفتح الباب أمام تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط. واسمحوا لي أن أتناول بعض المجالات التي يمكن فيها للقيادة الأميركية الخلاقة أن تعزز التقدم نحو تحقيق ذلك الهدف.ويقع أول هذه المجالات في فهم إطار العمل القائم في المنطقة، فالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لا يوجد في فراغ، كما أن أزمات المنطقة وأحداثها تظل متداخلة على نحو عميق، وعليه، يجب أن تكون أي سياسة ناجحة جزءاً من تصور شامل، ويشمل ذلك تقاسم العمل مع الشركاء الإقليميين، ولعل أحد الأمثلة على ذلك هو العمل الذي تقوم به الدول العربية فعلياً لدعم المصالحة الفلسطينية، وسوف يكون من شأن الدعم الدولي أن يدفع بهذا الجهد إلى الأمام، كما تستطيع سياسات الولايات المتحدة، في هذه الشأن وما يناظره، أن تساعد في تعزيز قوى الاعتدال في المنطقة.وثمة مجال هام ثانٍ للقيادة الأميركية، يتمثل في تعزيز أساس السلام. فالمساعدات التنموية لن تنجح إذا ما تم تصميمها لتكون بديلاً عن الاستقلال الفلسطيني، لكن الاستقلال سيكون ناجحاً أفضل ما يكون عندما يخلق الفرص لممارسة حياة يومية طبيعية ومثمرة، ويجب إيجاد فوائد وحوافز يكون من شأنها خلق وإدامة الشروط الملائمة للتعايش والتقدم.ويقع المجال الثالث للقيادة الأميركية في الرسائل القوية التي تعبر عنها أعمالكم، خاصة فيما يخص استجابتكم للمعاناة الفلسطينية. وسوف تصل الإشارات عندما تضمن الولايات المتحدة وصول الإغاثة إلى غزة وإعادة إعمارها، وعندما تقدم المساعدات الإنسانية للضفة الغربية. لكن بالوسع إرسال الإشارات أيضاً عن